تكوين
"كل النساء كلمات عابرة، وأنتِ وحدك نص القصيدة"
محمود درويش
تجربتي الأولى في تعلم الإبداع كانت مع مصنع الحروف (تكوين)، حيث كنت متدرباً ضمن نخبة من شباب وفتيات مختلفي البيئات، لأجد نفسي بين مجموعة خلفيات أدبية منوعة، ثقافات عربية وإنجليزية واسعة، عدة مشارب ثقافية، وعدة ألوان قرائية، تخصصات مختلفة وعلاقات قوية بين المثقف والآخر، حس رقيق لشتى الفنون الإبداعية.
شعرت أنني أحتل المركز الأخير بينهم، لكنّ ما أعجبني فعلاً، أن الجميع يمد يده للجميع، وجدت مجتمعاً شبابياً متأهباً للمساعدة، للمساهمة بالمعلومة والفكرة، شعرت حظيت في أوفرة مساندة .
المادة التدريبية التي حصلت عليها كانت عبارة عن اجتهاد شخصي من الروائية الكويتية الأستاذة / بثينة العيسى، حوارات ومقالات وأبحاث عن فنون الكتابة الإبداعية قامت بتجميعها وترجمتها من عدة مصادر من الأدب العالمي بمساعدة فريقها التطوعي، وقد ابتكرت طرقاً تعليمية تدعم الكتابة الإبداعية من خلال الفنون الأخرى.
واللافت في الأمر، أنه برغم اختلافي مع المدربة في فكرة التوجه إلى الأدب الغربي في التدوين - وذلك لجهلي بتأخر العرب في فنون الرواية - كان صدرها رحباً في تقبّل الاختلاف، كما أن طريقتها في إشعال فتيل المشاركة والتفاعل والتجاوب وصناعة الإبداع الكتابي في ورشة العمل التدريبية داخل القاعة، بدا لي كما لو أن آلة ديناميكية ظلت تعمل طول الوقت، كان المتدربون يستحون من المشاركة لكنها تكسر كل الحواجز لتوصل الفكرة.
فكأن الأديبة/ العيسى عصرت تجربتها الأدبية كاملة في كأس وسقتنا إياها في هذه الورشة، حيث ركزت بشكل كبير وأساسي على فكرة وآلية تحويل الصورة إلى كلمة، حيه بالحواس الخمس.
الدوافع التي تدفع (العيسى) لكل ذلك، يمكن أن يستشفها المتدرب من طريقة التدريب وتفاني المدربة في دعم مشروعها، حتى أن ذلك غيّر الاعتقاد الخاطئ الذي كان يراودني عن أن الدوافع وراء الكتابة تنحصر في الشهرة أو المال فقط، فما عايشته كان أخطر وأبعد من ذلك بكثير.
وعن نفسي، أهم مبدأ تعلمته خلق وابتكار المفردة والتلذذ بتراكيبها اللغوية الحديثة إكتشفت بعدها
دافعي الحقيقي لنقش السطور التي غطاها الغبار، فأنفضه عنها أخيراً بواسطة (تكوين)
لكنني تهرب مني الحروف أجمعها بكل ما أوتيت من ألم، إن الكلمات وجهي الحزين، فؤادي الذي تملأه بالجروح، إن الكتابة تشفي كما أنها تشقي، لا أدري كيف أصف الواقع لمن يقرأ لي.
والذي أشعر به فعلاً، هو أنني مهما ابتعدت عن المفردات فإنني أراها تحاصرني، مع أنني لم أمتلك إلا قبضة من أثر القوم، أواجه جحافل الفاسدين بقلم غريق ضعيف الصوت، لقد اتضحت الصورة لي الآن، فالكتابة ليست المال الوفير، أو الشهرة العالمية، إنها الكيان السيامي الذي يصعب الانفكاك عنه.
" القلم عصاي التي أتوكا عليها وأهش بها على ألمي " محمد العلون
وإنني أنصح بدعم مشروع (تكوين) والاستفادة منه مثل هذه المبادرة التي يكون هدفها الأسمى هو الريع الخيري لتعليم الأطفال الفقراء، وتطوير متدرب اليوم ليكون مؤلف الغد، عبر تزويده بمهارات أدبية عالية. ودعمه بقطع التذاكر التي تلزمه للتحليق بطائرة النجاح في هذا الفضاء الفسيح، كما أن من لديه بذرة تدوين فإن تكوين هو ربيعه الخصب الذي سيرويها ويتعهدها حتى تنمو.
محمد بن إبراهيم بن زعير