الخميس، 8 أكتوبر 2015

استراح 1

  

يطوي الوقت من أجسادنا في رحى الحياة الصّارمة ١ "إنّ نقطة حزن واحدة تعادل بحرًا من السّعادة" 
ما يحدث معنا ومع غيرنا أنّنا نرى قميص الفساد الوطني المرقّع إذا حاولت أن أجمّل الصّورة قدر الإمكان ولكنني سأضع الإصبع على الجرح، علّنا نرى بأمّ العين ما يجري، ونلمس بعض التّصرفات المخزية بحقّ المواطن. 

نحن الأن في العام 2015، وقد عدنا من رحلة علاجية من أرض الدّويتش العريقة طبّياً بعد ما تكلّلت رحلتنا بالنجاح والفخر بحمد الله وكرمه، وقد أثبتّ ذلك في أوراق هذة الرحلة الّتي أشرت إليها مفصّلة في مقال بعنوان "قضية وطنية". وما أردت قوله بأنّه بعد عودتنا و طلب تنفيذ خطة المتابعة الألمانية من قبل الدّولة العريقة في إدارة المرض ومصارعته، حاولنا بطرائق سلمية تقليدية متابعة حالة والدي، ولكنّنا فشلنا وتسلحنا بالواسطة وبعد التربص بنا و حصار الأطباء التفتيشي في محكمتهم المغلقة من خلال لجنة متابعة تشكلت من الأطباء لقبول مراجعة والدي، وبعد طرح الأسئلة الكثيرة من قبلهم، والرّد من قبلنا، ومع إثبات موقفنا عن تهمة العلاج بالخارج، نفذ حكم قاضي القضاة الطّبيب الاستشاري بالبراءة وقد جاء ذلك الحكم نتيجة الكشف الدّوري لقسم أورام الحنجرة المشروطة بخطتهم البديلة و كان ذالك في مستشفى الملك فيصل التخصصي 
ضاربين بعرض الحائط كل ما نحمله من توصيات

، و قد كرّرنا المحاولة في الإشراف على جروح الأقدام السكرية التي تتمركز في كعبين أبي والتي كانت مشكلة
 فرعية تفاقمت مع الأيام، جاء الرّفض بحجة تضييق طاقة المستشفى وعزّزنا ذلك بتحويل آخر من مركز غسيل الكلى الذي كان الوالد رحمه الله يغسل فيه، وكان المركز غير مجهز إلا بمعدات غسيل الكلى اليتيمة وقد كانوا قلقين لوضع القدمين، ولم يقبل أيضاً و قلق العاملين في المركز و كان غير مبرر وفق نظرة المستشفى الحكومي.

أجبرنا على تغيير خطتنا، وصار والدي يتردّد على مركز الحبيب بالتخصصي وانتخبناه لملامسته منزلنا ويسهل العبور إلى كبده وحصل ما لا تحمد عقباه من ذلك الأعجمي الأهوج مارك ويليم البريطاني الجنسية المتخصص بالأقدام السكرية، وقد ذكرنا له تفاصيل رحلتنا العلاجية وأعطيناه التوجيهات والتحذيرات حول وضع الحالة الحرج، وأهمها عدم قصّ الجلد الميت حول الكعبين المجروجينالناشفين، وقد كانت تلك الملاحظات موجّهة من قبل الدّولة الألمانية، وتمنّينا الالتزام بها، وكان والدي حريصاً جدًّا على غير عادته في  تكرار القدوم له ، مع أنه كان فقط عليه تغير الشاش وتنظيف المكان ويمكن عمل ذلك فيالمنزل، لكن كنا نتوجه إلى العيادة للقيام بذلك على سبيل الحيطة والحذر، ومع ذلك وقع المحظور على الرّغم من كثرة المراجعات وقصّ ذلك الغبي للجلد الهالك، وهنا بدأت رحلةالألم بين مدٍّ وجزرٍ على (يمّ الظلام) ومع العودة إليه والقيام بأشعات عديدة وفحوصات دقيقة للاطمئنان على أنّ الوضع سليم تحت قبضته الحكيمة، وأعطانا توجيهاً آخر عكس ما نمتلكه من خلفية سابقة، وهو بعدم المشي نهائياً، وتسلسل القاتل الصامت السم الزّعاف (الغرغرينا) من بوابة الكعبين 

مع قلق والدي الشديد ،وقد كنتُ أظنه يبالغ، وبعد هذا كلّه، تمّ حجز موعد في الحمادي لطبيب من الجنس نفسه، وقد 
رفض الطّبيب الكشف إلا بتقرير دقيق من مستشفى ألمانيا، ولم يكتفِبما هو موجود  معي وتساؤله المستمر إذا 
سافرتم إلى ألمانيا وفق الوقت المقرر من قبلهم سابقاً،  أكمل ما تمّ عمله هناك  نسخة طبق الأصل.
بعد هذا التعليق الغريب الذي لم يكن متوقعاً، و مقبول خصوصًا أنه لم يدّعي المعرفة فيما يجهل 

إلى نقطة الحبيب عدنا بعد الارتطام بجدار الحمادي، وعشنا أياماً و أياماً مع  تدهوّر الوضع و بدأ يصعد الوجع درجات عديدة، وقبل الدّرجة الأخيرة، كان هناك محاولة أخيرة، وهي مراجعتهم بلا جدوى سدّت سبلهم.

اتّخذنا طريقة مغايرة ، وتمّ نقل والدي عبر الاسعاف إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بعد أن بلغ التأوه  أعلى درجاته، وكنت خارج البلاد مع بعض أخواتي، ووصل إلى قلبي نداء استغاثة من والدي عبر الأثير بشفرات، على أنّ أمرًا سيئاً قد حدث، لم يكن والدي يتحدّث عبر الهاتف بسبب بقايا فتحة بالحنجرة، اتصلت فورًا بوالدتي وسألتها عن أحوالهم، قالت كلّ شيءعلى ما يرام، ووالدك بخير لم اقتنع وأصررت عليها، سائلاً عما جرى وأخبرتني بأنه تمّ نقله اسعافياً، وأنه منوم،كان بعدها بساعات موعد رحلتي إلى الرّياض وهي الأقرب، ومن مطار الملك خالد إلى المسشفى توجّهت مباشرة، ورأيت والدي شخصاً آخر غير الذي تركته منذ أسبوع. 

جاءني الطّبيب والمشرط في يديه، وقرّره أن يستغني عن نصف جسده ليعيش، وأردف قائلاً أين أنتم طوال هذه المدّة عن المراجعة، أجبته بذهولٍ طارحًاسؤالين في آنٍ معًا، هل أنت متأكد؟ نحن أحضرنا تحويلين لكم، ورفضتم بسبب الازدحام السريري والتراكم البشري. قال أغلب الظّن والله المستعان، وسوف نعمل اللازم لتأكيد ذلك أو نفيه بعدها بحوالي 72 ساعة تمّ أخذه من الطّوارئ إلى غرفة عادية، وكان معه هبوط بالضغط وضيق تنفس، كأنّ صخرة على صدره وأنين من القلب

وجاءت إلينا طبية شابة سعودية معالجة باطنية
عنيدة المراس، عكس ابتسامتها التي تخدع الناظرين لم تحسن التعامل مع مشاكلة الصحية وصدمته النفسية،بل  تنفذ أوامر الجراحين العسكرية في البتر بالكرّ و الفرّ على تنفيذ الأمر وسدّ كلّ أبواب الحلول الأخرى التي أفكر بها، والّتي كانت تجهض قبل اقتراحها كإمكانية الفحص الجديد في مكان آخر، وكان الرّفض بحجة عدم تحمله النقل حتى لو لدقائق معدودة إلى أطراف المدينة والأسهل إزالة الطّرفين السفليين من فوق الرّكبتين، عشنا حرب توتر الأعصاب، وما زاد من التّوتر موقف الاستشارية من الجنوب إفريقية و الأطباء الجرّاحين في محاولة لنتزاع توقيعنا، كان المشفى يحاربون الغريرينا بالمضادات، ولم تنفع. أرسلت التقارير لطبيب جراح قلب، وهو صديق لي ورأى أنه يجب القيام بالعملية ويوجد مخاطرة عالية على حياته بسبب تداعي صحته العامة وتداخل الأمراض وتقاطعها في جسده الطاهر المثخن، وأنّ مخاطرتها أعلى من جراحة قلب مفتوح لشخص آخر،  بحثت عن الجرّاحين للمناقشة عن المجازفة،  لكن اشترطت الاستشارية الجنوب أفريقية التوقيع لحضورهم لي.

في هذه الأثناء ولدت في نفسي فكرة أوّل ما بحت بها ظنّ الجميع أني أمزح، وهي العودة إلى إلمانيا وعائلتي
تساءلت كيف وهو هكذا؟ ردّي عبر إخلاء جوي؟ وعملنا على تنفيذ ذلك بأكثر من درب ونجحت من طريق وزارة الداخيلة بسعيّ العم فهد بن صالح، وأمر سيدي ولي العهد حفظه أولي الأيدي البيضاء عنوانه دحر الارهاب،وجعله ذخرًا للبلاد والعباد وأكرمنا بالعلاج على نفقته،وحيث كان الرّجاء الانتقال فقط إلى هناك و بحسب هرمي القيادة العليا المكونة
من سلمان الحزم والعزم والعضيدين المحمديين الذين لا يتوانون عن خدمة المواطن وسنّ القوانين في مصلحته ثم التقصير يأتي من الإدارة الوسطى  التي هي جزء منها وزارة الصحة ومستشفياتها وطاقمها الطّبي العالي التأهيل و أجهزتها في أحدث طراز، لكن الخيبة مرافقة لنا بشكل آحادي من أخطاء فردية لا مسوؤلة وتخاذل في عقابها، ونحن ضمن سبحة التقصير مع إخوان لنا، وهذه بمثابة مطرقة تدقّ روؤسنا أسفل الهرم. 
و تتسارع قضيتنا وتصل عبر اتجاهين إلى قبول في مستشفى بميونخ وضمان مالي من الملحقية وآخر من 
ضواحي فرانكفورت بضمان ثقة الرّعاية كحد أقصى، و تخلل الأمر عيباً بأنه على حسابنا الخاص على أن يتمّ التعويض لاحقاً. جاء الفريق الإخلاء الطّبي لنقل والدي، تمّ الرّفض من قبلهم بعد الفحص لعدم لياقته الطّبية و وجهوا إرشادات بجزأين إلى التمريض، وقد نسّقت الطّبيبة المعالجة مع طبيب الإخلاء ،عاقبتنا الطّيبة بالتجاهل، حاولنا من طرف استشاري أسنان نسيبنا وهو زميلها للتفاهم معها ولكن من دون فائدة،و قمنا بزيادة التلطف والاستعطاف لها من قبل مدير قسم كبار الشخصيات وهو قريبنا، ورضخت أخيرًا، وتم التنسيق، وكان الفريق الطبي متابعاً بالحضور  و الاتصال، إلى أن تمّ 
تحديد الاتجاه بعد التفكير والاستشارة والدّعاء. تمّ النقل إلى المصير المهجول، و نحن ثلاثة، والدي وأنا و محمد العايض
في أوتار مشدودة الى هبطنا بالترانزيت في مالطا ثمّ قصدنا ميونخ بعد
٧٢ ساعة من الأشعات والفحوصات، قرروا بتر الساقين مع العلاج، تمّ تحسن الحالة بالغذاء الطّبيعي من دون 
مغذّيات وتمّ سحب ماء الرّئة باحترافية ، بعد اكتشاف أنه سبب ضيق التنفس الذي لم يعرف في مستشفى التخصصي،  حالياً المضادات لم تنجح في محاربة البكتيريا، محاولات منا ومن حسن منوفل صديق الأسرة من عقدين من الزّمان الذي حضر من ماينز ويبعد عنا ساعات، لمفاوضة البروفيسور و ردّه لا يوجد إلا حلول طويلة الأمد و وعرة و غير مضمونة النتائج ، و الأسلم هو عملية آنية، ومع تفصيل لكلّ الأضرار المتوقعة حسب مدرستهم التشخيصية و التوقيع كأنك تشاهد فيلم العملية بين عينيك و أقترحوا أخذ رأي ثاني فاخترنا ذالك بين صدورنا ؟
لكسب الوقت وقعنا على الموافقة لرفع سكينة إلحاح أطباء ميونخ على قرار العملية أو الخروج لاكتظاظ عدد المرضى، ثمّ أرسلنا التقارير إلى الاتجاه الآخر من ضواحي فرانكفورت. تمّ رفض الحالة لأنها متأخرة حسب التقرير المفصل، وهم بحاجة لطاقم طبي من بروفسورات يصعب تجهيزه في ساعات، بعد التأمل الطّويل و التفكير العميق والاستخارة سألت والدي قبل ساعات من العملية عن رأيه. استشهد ببيت الشاعر :

مابين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حالِ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق