تلدنا أمّهاتنا، وتتركنا مع الحياة كي نصارعها، تصرعنا فنركب أمواجها ونحافظ على توازننا لئلا نقع أرضًا. ربما قد تبدو لنا خيوط الفرح برفقة أخوة لم تلدهم أمهاتنا، يساندوننا في لحظات الألم، ويرفعون عنّا لثام الحزن، ويبدّلون نظرتنا إلى الحياة، لنحلّق معهم عاليًا.
"ربّ أخ لم تلده أمّك"، مثال رائع بمعانيه الحقيقية، لا اختلاف في التّعبير عليه، ولا فيما يحمله من معانٍ، فمع كل حرف ينزف منه، نعثر على همسة وامضة تخفي أسئلة جوهرية ووجودية. فآه آه، أما زال في الوجود إخوة لنا في الله؟ أما زالت هناك زهرات تثمر حبًّا أخويًّا؟ بكل صدق، ومع محبتي وتقديري للبشر، بلى، هناك جود يهبه الدهر لنا، ولم نعثر عليه في رؤية العميان...
بين ألطاف القدر من يقدّر الكلمة، وبين أحواز الدّنيا من يخفي كرم الأخلاق الإنسانية، والاسم سواء صرّحنا به أم لم نصرّح به، لا يهمّ، فكمال الأخلاق، وجمال القلوب، ما هو سوى جوهرة زرعها الله سبحانه وتعالى في قلب جزء من عباده.
فهنيئًا لكلّ أمّ أرضعت وليدها حليب الطّهر، وهنيئًا لها أن نفخت فيه صوت الأخوة الصّادح في حياة فقَدَ أبناؤها رونق المحبة، وطيب العشرة. لا غرابة إذا اكتسى الجميع ثوب البشاعة، في تاريخ لم يعد يعرف سوى التصنع والتلون والتّكلف في الحوار، ولا يتقن سوى الكره والغرور والحسد في السلوك. أمّا الأرواح الخالدة فتلك الّتي لا تتكاثر إلا بصمتٍ، وبلونٍ خاص بها، لتقف في وجه الحياة وتطفو متعالية عن الغرور، نابضة بقيم كونية متأصلة، ومن ناله هذا الشّرف فقد حمل وسام السّكينة والطّمأنينة ومنحه الله ما لم يُمنح لغيره.
وما بين الألم المسكون في الأضلاع والأمل المفتوح على مصراعيه في سر مخبوء خلف غصن نبت تحت جناح الخجل، يظهر لنا بعض الأخوة لا يتبجحون ترفًا، ولا يبسطون معارفهم بفحش الغرور، ولا يفاخرون بالتّفرد العقيم، بل يرتقون سلم السّمو ببساطة الاعتزاز، وحقّ لهم ذلك، وحقّ لي أن أكتب بلغتي النّازفة: شكرًا ربّي على نعمك العديدة، وعلى ما وهبتني إيّاه من إخوة صالحة في الدّين والدّنيا، فلا شيء يفيد في صخب الحياة وخداعة المظاهر وغباء الغنى سوى روح سرمدية، عاشقة لغيرها، مقدّسة ما في القلوب لا ما في الجيوب.
فمن أي مورد سأنهل كي أوفيكم جزءًا من وقفتكم؟ ومن أي قاموس سأحضر فيالق الحروف المتناثرة كي أجمّعها في باقة وردية لغوية وأنثر عطرها فوق دروبكم؟ فأنا لا أمتلك سوى حبر ألفاظي المشاكسة كي أزيّن بها صفحاتكم.
أدرك اليوم قيمة التّسامح أكثر من أي يوم مرّ، وقيمة الأصوات المتثاقلة الخطى عن صوت الطّيش المتسارع المبثوث بين أضلعنا، وقمية الأخوة في ابتكار لحظات الانتماء الرّوحي والوجداني والأسري، وحسبي أن أقول:
أخي، أختي في الله أعدكما أن تكون عواطفنا حرّة خالية من التّزلف والتّكلف، وأهديكما أولى إشارات الوفاء كي تنير سكون أمكنتكما، ولن أتوانى يومًا عن تقديم ما يليق بكما من مساعدة أو وقفة أو أن أبعد منكما غراب اليأس، وبومة التّاريخ.
قلم المتألقة الراقية الدكتورة / نورا مرعي 👍🏻
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق