أهل الإحسان والدين، آل سحمان، وهذا سفر يحوي: علو كعبهم، تواضعهم. سأستعرض لمحات منه:
كتاب
من سير العلماء، 129 صفحة من القطع المتوسط، الطبعة الأولى، 1408هـ، الإخراج الفني
والتنفيذ: وكالة الفرقان للدعاية والإعلان، مطابع نجد التجارية، بعنوان: (قلائد الجمان
في بيان سيرة آل سحمان)، تأليف: المؤرخ أبي سعيد عمر العمري.
يسلط
الإصدار الضوءَ على جماعة مهاجرة من الناس، مناصرة لدعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد
الوهاب - رحمه الله-. من رعيلها الأول وراية العلم الشرعي، تتنقل من جيل إلى جيل
في أسرتهم الفاضلة من قبيلة خثعم. ترجم لـ 14 عالمًا جليلًا منهم، أذكر منها أربعة
سير، تبدأ حكايتهم من (الحيفاء)، إحدى قرى (تبالة)، تقع في الشمال الغربي من
محافظة (بيشة).
السيرة
الأولى: الأمير الشيخ: سحمان بن مصلح الفزعي الخثعمي:
ولد
بين 1228-1230هـ، ترعرع وحفظ القرآن في كنف والده مصلح، الذي عين أميرًا على (تبالة)
تحت ولاية آل عائض أمراء عسير، خلفه الابن سحمان.
بعد
حوالي 30 عامًا وفي عام 1262هـ، حدث أمر مهم، في العالم السياسي المتقلب غير
المستقر، حيث استولت القوات التركية على منطقتين تابعة لـ نفوذ آل عائض، وهي:
(الحديدة، المخا)، ولـمواجهتهم حشد جيش من القبائل سار بهم أمير (تبالة) سحمان بالتكيكاته
الحربية إلى (الطائف) وسيطر عليها.
مما
جعل المساومة أقوى لصالح القبائل العسيرية، واتفق على الانسحاب من (الطائف)، وعادت
(الحديدة، المخا) إلى أراضي آل عائض.
عُهد
للشيخ سحمان لإخلاصه وأمانته بيت المال في (أبها)، بالإضافة لتعليم القرآن الكريم،
وأسس أول مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم في (أبها)، وأخرى في قريتها (سقا).
لاحقاً
تدهورت الأوضاع في عسير، فُقِد الأمن، تمردت القبائل، دخل الأتراك، وعاثوا فسادًا.
طلب
الشيخ سحمان الإذن في الانتقال إلى الرياض، قاصداً العلماء أبناء محمد بن عبد الوهاب،
وقد سُمح له بعد شق الأنفس، فوصل الرياض عام 1280هـ، ولقي ترحيبًا كبيرًا من الإمام فيصل بن
تركي، والشيخ عبد الرحمن آل الشيخ، وابنه الشيخ عبد اللطيف، لمكانته الرفيعة.
وُلِّي
من قبل الإمام فيصل على معاشات الإخوان، ونزل في جوار مسجد الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف
آل الشيخ، وفتح مدرسة جنوب المسجد يعلم القرآن لـ أبناء آل الشيخ وأهالي الرياض.
تزود
الشيخ سحمان من الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن عبد الوهاب -رحمهم الله-، واستمح منه،
وسُمح له بالرحيل إلى الأفلاج، في إحدى قرى (ليلى)، تدعى (العمار)، جوار عَلَمِها
حمد ابن عتيق، والوجيه فهيد بن صالح، استمر في تعليم القرآن الكريم إلى أن توفي
رحمه الله،
عام 1301هـ في العمار.
شعاره
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
ذريته:
محمد، سليمان، عبد الكريم، إسماعيل.
السيرة
الثانية: الشيخ العلامة: سليمان بن سحمان بن مصلح الفزعي:
ولد في قرية (السقا) التابعة لـ (أبها)، في آخر
عام 1269هـ، نشأ في رعاية والده، حفظ القرآن، رافقه في الرحلة العلمية إلى (الرياض)،
وقرأ على الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن عبد الوهاب، وابنه الشيخ عبد اللطيف (رحمهما
الله)، ولازمهما عشر سنوات.
ثم
انتقل إلى (العمار) في (الأفلاج) مع الأب الشيخ سحمان، ونهل من معين العلامة حمد
بن عتيق (رحمه الله) إلى أن لقي ربه الغفور.
بطلب
من الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، عاد الشيخ سليمان إلى (الرياض)، ثم
أصبح كاتباً عند الإمام عبد الله بن فيصل وخطاطاً نسخ عدد كبير من الكتب الفقهية
وغيرها.
يردُّ
الشُّبه، ويذب عن الإسلام وأهله، يقول عنه الشيخ سليمان بن حمدان -رحمه الله-:
" الورع الزاهد العابد المجاهد، ذو القلم السيال، والنظم الأرق من العذب
الزلال".
يروي
ولده صالح بن سليمان بن سحمان، أنه وجه أحد أبناء آل الشيخ سؤالا لسماحة الشيخ
سليمان عن نسبه، جوابه:
" سليمان سحمان وسحمان مصلح
ومصلح حمدان وحمدان مسفر
أولئك أجدادي ســـــلالة عــــــــامر إلى خثعم يعزى وبالـخير يذكر"
مؤلفاته
المرصودة 31 كتابًا، منها:
· أشعة الأنوار.
· براءة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن
مفتريات الملحد الكذاب.
· منهاج أهل الحق والاتباع في مخالفة أهل
الجهل والابتداع.
جمَع
أ. عبد الرحمن بن رويشد، أشعار الشيخ سليمان، وقدمها في ديوان: (عقود الجواهر
الحسان)، محتوياتها: النصائح القيمة، الرد على أهل الزيف والظلال، والعلاج في
الخارج.
نذكر
في ما يلي شيئًا منها:
-
في
الحث على العلم:
"تعلم ففي العلم الشريف فوائد
يحن لها القلب السليم الموفق
فمنهن رضوان الإله وجنة
وفوز وعز دائم متـــــــــحقق"
-
تحية
إلى الملك عبد العزيز -طيَّب الله ثراه- من البحرين المبعوث لها الشيخ من جلالته
للعلاج:
" إلى الملك الأسمى سلالة فيصل
وأوفى ملوك الناس عهدًا وموعداً
فأبلغه تسليمًا كأن أريحه شذى المسك بل أندى أريجاً
وأمجدا"
توفي
في (الرياض) عام 1349هـ، أسكنه الله فسيح جناته.
عقبه:
صالح، عبد الله، عبد العزيز، عبد الرحمن.
السيرة
الثالثة: الشيخ الفلكي: صالح بن سليمان بن سحمان بن مصلح:
ولد
عام 1320هـ في ظل والديه وكان بارًّا بهما، حفِظ القرآن، برع في فنون شتى: العلوم
الدينية، الفلك، والشعر مثل العلماء القدماء الموسوعيين.
كان
خطاطاً يستدعيه الملك عبد العزيز لكتابة الرسائل المهمة، والكتب الدينية منها:
(الورد
المصفى المختار)، الذي كان من اختيارات جلالته، طبع أكثر من ثلاثين مرة.
حريص
على العلم ومجالسة العلماء، اعتذر عن الوظائف الحكومية المعروضة عليه من جلالة الملك
عبد العزيز -غفر الله له-، بسبب خدمة والده الشيخ سليمان الذي كف بصره، وبعد وفاة
الأب، أعيدت الرغبة الملكية في الانضمام إلى السلك الحكومي فاعتذر لمواصلة الدراسة
على المشايخ.
بعد
وفاة المغفور له بإذن الله، الملك عبد العزيز، حصل التكليف الوظيفي بأمر من الشيخ
عمر بن حسن آل الشيخ، الذي كان رئيس هيئة المعروف والنهي عن المنكر، فعُين الشيخ
صالح عضوًا في الهيئة، وواصل العمل إلى التقاعد النظامي.
أبيات
الشيخ صالح بن سليمان في آل سعود العظماء منهم قادة الدول السعودية الأولى،
الثانية، الثالثة:
-
الإمام
محمد بن سعود -رحمه الله-:
" طربنا لعز في ولاية ماجد
محمد من آل السعود الأماثل
قرى ما تلاه الشيخ نصر دينه فوازره أكرم به من منازل"
-
الإمام
تركي بن عبد الله -رحمه الله-:
" نعى الجود تركي من سما بفعاله
على زحل غيض العدو المماحل
رمى من تمادى في الضلالة والعمى بأقطع
سيف أجرب في الزلال"
-
الملك
عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله-:
"جرى قدر من بعده أمن الورى
وأنكى العدا بالمشرفي المزامل
على المرتضى عبد العزيز بن عابد لرحماننا بن الفيصلي الأفاضل"
مدح بعض العلماء السلفية، على رأسهم محمد بن عبد
الوهاب -رحمه الله-:
" أنلني دواة كي أحبر مادحا
لأشياخ نجد من قديم وغابر
فأولهم شيخ الورى منبع الهدى
إمام لأهل الخير من كل سائر
محمد الهادي لدين محمد
فيا حبذا الهادي لأسنى المفاخر"
من
مؤلفاته:
· التقويم المبتكر المصفى الأوفى.
· ملتقى الأنهار من منتقى الأشعار.
· مجموع النفايس الشعرية والغرائب الشهية.
توفي
-رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- عام 1402هـ، في مدينة (الرياض).
خلَّف
من الأولاد: عبد العزيز، سليمان، عبد الرحمن، محمد، سعد.
السيرة
الأخيرة: الشيخ الفقيه القاضي: عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد السحمان:
ولد
في 1341هـ، في (العمار) في (الأفلاج).
درس
مبكراً 1347 هـ على يد والده وجده، جد واجتهد وحفظ القرآن.
الفترة
التالية من عمره طلب العلم ولازم العلماء الكبار في الأفلاج.
1355
هـ سافر إلى الرياض، والتحق بمجالس العالم في مسجد الشيخ
محمد
بن عبد اللطيف آل الشيخ.
استقى
المعرفة من الأسماء اللامعة -رحمهم الله-، منهم:
· محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية.
· العلامة عبد اللطيف بن إبراهيم.
· الشيخ سعود بن رشود.
· الشيخ عبد العزيز بن حمد بن عتيق.
· الشيخ عبد العزيز بن باز.
· الشيخ عبد الله بن حميد.
انضم
إلى المعهد العلمي عام 1371م، واستكمل الدراسات العليا في كلية الشريعة وتخرج عام
1376هـ.
· 1376هـ، رشح للقضاء في محكمة الرياض
الكبرى.
·
1379هـ،
كلف في القضاء في محكمة الأفلاج (13 سنة).
·
1392هـ،
عمل رئيسًا للمحكمة الدلم لمدة (7 سنوات).
· 1399هـ، عين قاضي تمييز في الرياض.
قصائد
الشيخ عبد الرحمن السحمان، لها أوجه منها: التوجيهات، والمناسبات.
التحذير
من مهاوي الردى:
" يا سامعا مصغيا أوصيك تذكره
ضمنتها حكما أحلى من العسل
عليك بالعلم إن العلم خير هدى
لطالب الجنة العليا ذي الجلل
واحرص على درس للقرآن معتبرا بما
تضمنه من أحسن المثل
واحذر من معاشر الفساق إن هموا
باب قريب إلى الفحشاء والزلل"
مناسبة
اجتماع الأسرتين آل سحمان وآل عتيق في الأفلاج 1394هـ :
" يوم السرور فيوم فيه نجتمع
على الإخاء والصفاء للوضع نستمع
آل لسحمان مع آل العتيق كذا آل
لزنان مع أهليهمــــــــوا تـــــــبعوا
وصالح بن زعير مع بنيه أتو
قد شرف الكل للداعـــــين فاجتــــمعوا
هذا القلوب صفت بالخير قد عرفت في هذه الدار للأخراء
قد زرعوا
مؤلفات
الشيخ عبد الرحمن -رحمه الله- أثناء كتابة مؤلف الإصدار 12 كتابًا، منها:
· المعارف السنية.
· أنيس الأحباب من كل قول مستطاب.
· تحفة المقتصدين.
· سبيل النجاة في باب الأسماء والصفات.
· بستان ابن سحمان.
توفي
غفر الله له وأسكنه فسيح جناته في الرياض، عام 1431هـ.
نسله:
إسماعيل، عبد العزيز، عبد الله، عبد الكريم، محمد -رحمه الله-، إبراهيم، فهد، صالح
-رحمه الله-، سليمان الأول -رحمه الله-، سليمان الثاني.
الرأي
والمكاسب:
· أسرة مباركة طيبة سخر الله لها المؤرخ
المؤلف: عمر العمري في البحث والتوثيق في ثلاثة فروع رئيسة في العلوم لاستخراج هذا
المحتوى الثمين.
· اعتمد على المراجع المصادر، الوثائق،
المقابلات الشخصية.
· تنوع المادة في مسار متقن العلمية، وممتع
الطرح للقراء.
· تمكن الشخصيات المترجم لها من عدة مجالات
جسمها الأساسي: الدين، جناحيها: اللغة العربية والتاريخ.
· راية الشرعية والحق غايتهم الأسمى قولاً
وعملاً، تنازلوا عن الإمارة ورحلوا من الديار.
· المرونة التعاملات وكسب القلوب ونفع
العقول.
· غاية الولاء والانتماء وربحهم وجذبهم إلى
مجالس الملوك والأمراء والمشايخ بما تصنع أيديهم من خير وأثر وصدق.
· اللطف وتواضع الكرام مع جميع الناس.
· توظيفهم الأشعار لنصح وخدمة الإسلام في
أبيات جزله فصيحة.
· الهمة العالية في غزارة الإنتاج في
المؤلفات الدينية واللغوية.
· روح المبادرة تمثلت في تأسيس مجموعة من
مدارس التحفيظ والتعليم بها في مناطق متعددة.
يقول أبي إسحاق الإلبيري في الترغيب في العلم الشرعي:
"وَتَحمِلُ مِنهُ في ناديكَ تاجاً
وَيَكسوكَ الجَمالَ إِذا اِغتَرَبتا
يَنالُكَ نَفعُهُ مادُمتَ حَيّاً
وَيَبقى ذُخرُهُ لَكَ إِن ذَهَبتا
هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو
تُصيبُ بِهِ مَقاتِلَ ضَرَبتا
وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيهِ لِصّاً
خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا
يَزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ
وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا"
· الأمانة قديماً في نسخ الكتب وكتابة الرسائل
الملكية قبل الأجهزة الحديثة، والإشراف على بيت المال قبل وأثناء الحكم السعودي
الزاهر.
· الزهد في الدنيا والطمع في الآخرة. والبر
في دائرة الوالدين والعائلة القريبة.
· الحرص على اجتماع الأسرة وتقوية صلة
الارحام الأقارب والأصهار والدوائر المرتبطة البعيدة.
ابن
زعير.